terça-feira, 7 de junho de 2011
اتحاد العمال المستقل مستمر في معركته ضد الاتحاد الحكومي
البناء في الاردن رحلة عذاب مع العمال تنتهي بجلطة وبيت «مغشوش»
أبنيتنا سلسلة من الأخطاء الـــــــــــــــــــــــتي تهـــدد سلامــة من يسكنها
عمال البناء في زمن العولمة.. الوافدون يقطفون الثمار ولا بواكي للأردنيين
الأردنيون غير قادرين على استرداد الأعمال التي تركوها للوافدين
41٪ من العمال في الأردن من مصر ودول أخرى و «التدريب والتشغيل» خطوة إلى الأمام ولكن!
أنس منعه إخوته من العمل المهني لأن تقاليد العائلة لا تسمح
مجتمعنا انتقل من واقع بدائي إلى واقع مشوه
المقاولون وأصحاب الشركات لا يفضلون العامل الأردني لأنه غير ملتزم
∎ اللواء - قسم التحقيقات
(.. ما بين أول ضربة فأس وتسليم المفتاح، لا يجد المواطن العادي مالك ورشة البناء، الذي فضل مباشرة العمل بنفسه بدل ان يُوكل هذه المهمة لمقاول رئيسي، سوى الخيبة تلو الأخرى، والمصيبة تلو الثانية، خاصة عندما يتعامل مع الفنيين الأردنيين والوافدين منهم على السواء)، يستدرك مواطن انتهى للتو من بناء منزل له فضل عدم ذكر اسمه الصريح والاكتفاء بلقب (أبو معن)، لئلا يتحول إلى مَثَلٍ يُضرب له عندما يتعرض آخرون لما تعرض له بقوله: (صحيح ان العمال الوافدين، خاصة المصريين منهم، أكثر التزاماً بالعمل بالمقارنة مع الأردنيين، ولكنك غالباً ما تكتشف بعد حين ان خلف الابتسامة البلهاء، التي افرجت عن اسنان العامل المصري السوداء المسوسة مصيبة ما، كأن يكون قد دَمَلَ التراب فوق أخطائه، وبعد ما يأتي وقت دفع التراب، لجهة ان العمل التالي في ورشات البناء يكشف عيوب العمل السابق، تبرز المصيبة التي اخفاها عامل انهى عمله وذهب قبل أيام، فالحفّار وهو من يحفر اساسات البيوت يحدثك عن أخطاء المساح الذي حدد معالم وحدود قطعة الأرض، ونجار الطوبار يكشف اخطاء الحفّار، وبنّاء الحجر يتحدث بهمس، ان لجهة بنّاء الحجر ونجار الطوبار يعملان سوية على خلاف الفنيين الآخرين، فالواحد منهم يتبع الآخر، عن ''سوكاج'' -انحراف- في الجدار تسبب به نجار الطوبار، وحدّاد الطوبار يحدثك بصوت عالٍ اكتسبه من شدة عناد الحديد معه، عن اخطاء بناء الحجر ونجار الطوبار، ويأتي بعد هذا وذاك القصّير، ليبدأ حديثه الطويل المتواصل عن اعوجاج في هذه ''الشمعة'' عامود خرساني مسلح، وعن عيب في هذا الجسر أو ذلك الجدار.. الخ، ليتخلص في نهاية كل يوم عمل إلى القول: إن القصّير هو الوحيد الذي يخفي كل عيوب الآخرين، بينما لا يستطيع أحد اخفاء عيبه هو.
يتابع ''أبو معن'' فيقول: يأتي بعد ذلك نجار الأبواب، ليكمل عمله الذي بدأه بتركيب حلوق الأبواب -براويز الأبواب-، ومن ثم يأتي البليط ليبدا مسلسل جديد من المعاناة، خاصة في الحالات التي تتطلب تنسيقاً مع الكهربائي والمواسرجي -فني الكهرباء والميكانيك-، لجهة أن أعمال الكهربائي والمواسرجي تترافق مع أعمال القصارة والبلاط، وأما مشكلات الكهربائي والمواسرجي فحدث عنها ولا حرج، ويأتي بعد ذلك المشاكل مع الأبواب والشبابيك، ومن ثم مع الكحّيل، ومع متعهد الزفتة، ومع ومع.. الخ.
يعتقد المواطن ذاته انه ''استغاث من الرمضاء بالنار'' حينما سعى لتوفير نسبة من كلفة البناء فباشر التفاصيل بنفسه، وأخذ يتعامل مع هذا الفني، ومع ذلك المورد، وبدلاً من ان يوفر مبلغاً يستعين به في شؤونه الأخرى، تكبد مبالغ اضافية لم تكن في الحسبان بتاتاً، وأصبح ''كالكبش يحمل شفرة وزنادا'' -مثل يضرب لمن يحمل المكروه وهو لا يعلم-، فبدلاً من الرمضاء -الرمل الحار- التي هرب منها في اشارة منه إلى فكرة المقاول الرئيسي، احترق بنار الفنيين الوافدين منهم والمحليين، ومع انه خرج من هذه التجربة أكثر نضجاً، واكثر حيطة وحذراً وأقل إتكالاً على الآخرين، إلا انه دفع من صحته ثمناً باهظاً، فجرّاء معاناته الطويلة على مدى ثمانية عشر شهراً،هي عمر رحلة البناء، أصيب بجلطة دماغية كادت تودي بحياته.
الأمس البعيد
يقول هذا المُجرب: إن أكثر ما فاجأه خلال رحلته الطويلة في البناء فقر الأردن من العاملين في البناء، فمعظم الذين عملوا في بناء منزله كانوا من العمال المصريين، فباستثناء معلم الدهان -الطريش-، و''المواسرجي'' وشاب أردني والدته مصرية، وعاش في مصر معظم سنوات عمره يعمل مساعد نجار طوبار، فإن الباقين كلهم غير اردنيين، وعددهم يزيد على مئة عامل وفني، فمع ان الأردنيين ظلوا إلى ما قبل عقدين أو ثلاثة لسنوات طوال لا يعتمدون في بناء منازلهم إلا على سواعدهم، إلا ان ما آلت إليه الأحوال منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي لا تنبئ بأن الأوضاع بخير، ويتذكر حينما كان شاباً في مقتبل العمر دون العشرين في ستينات القرن الماضي حينما بنى والده داراً له في بلدته بالضفة الغربية، يتذكر الذين عملوا في بناء الدار، كلهم من دون استثناء كانوا من نفس بلدته، فلم يستعن والده باي عامل من دولة أخرى أو من بلدة مجاورة.
يتذكر ''أبو معن'' بحميمية خاصة تلك الأيام في بلدته بالضفة الغربية، وهو يحاول جاهداً اجراء مقارنات شكلية على اقل تقدير بين الأمس البعيد -قبل نصف قرن- واليوم، يتذكرها ويذكرها في حديثه لزواره، الذين يعودوه مطمئنين عليه بعد اصابته بالجلطة الدماغية، صحيح إن الإصابة أقعدته في الفراش أكثر من شهر وأبعدته عن مقارعة مَن تبقى من العاملين في منزله الجديد، الذي توشك تشطيباته على الانتهاء، ولكنه يشعر بالامتنان إلى الله سبحانه وتعالى كما يردد لزواره ان اصابته لم تفقده القدرة على المشي وعلى الكلام..
يتذكر ''أبو معن'' ويحدث زواره قائلاً: (.. يوم صبّه العقدة اجتمع معظم شباب البلدة عندنا في البيت، حضروا منذ الفجر لمعاونتنا، فزمان كان الناس يعملون من بعضهم بعضاً ''عونه'' وبعد ان بدأنا بحمل الخرسانة في تنكات والصعود إلى سطح المنزل لإفراغها، خرجت والدتي وقريبات لها ولوالدي وبدأن بالغناء) .. يتذكر من غناء والدته والقريبات بعضه فيردده وهو شاخص بعينيه في سقف صالون الضيوف، واصابع يده اليمنى تطرق على منضدة تجلس امامه بايقاعات متشابهة لحث ذاكرته على الاستذكار.
''الله يجبر أبو محمد باني بيته من حجر
هالخيّر ابن الخيّر بيته مقعد الوزر''
والمقصور بالوزر الوزراء
ويتابع:
''الله يجبر أبو اسماعيل باني بيته على السفلتات
يا بنته لا ترتعبي هذول دوله وباشوات
انت ديري الصواني وأنا عليَّ الكبايات''
الله يجبر أبو عدنان باني بيته لاواوين
با بنته لا ترتجبي هذول دوله وسلاطين
انت ديري الصواني وأنا عليّ الفناجين''
واللواوين هي جمع ليوان وهو تعبير شعبي مقصود به الديوان أو صالون الضيوف أو المضافة، ويتابع:
''الله يجبرك با أبو زيد ما حدا عمل اللي عمله
باني جوز العلالي يا الورد مفتح في ظله''
والعلالي جمع عليّة، وهي مكان مرتفع داخل المنازل القديمة تستخدم لغايات مختلفة، ويتابع ''أبو معن'':
''الله يجبر أبو سعيد ما حدا سوى اللي سواه
يا باني جوز العلالي والورد مفتح في جواه''
وينتهي أبو معن من ترديد اغنيات وتراويد أيام زمان بترديد كلمات اغنية يقول انه كان يفضلها، وكانت والدته دائماً ما تغنيها له،
''يا بيّ معن ابني السور واعلي السور
وابني علالي ومن فوق العلالي قصور
نظرك علينا وخلي اللي قول يقول''.
أمس القريب
من ثقافة عمل في مجتمع شبه بدائي اتسمت بمفهوم ''العونة'' إلى مجتمع آخر غير واضح المعالم بثقافة عمل انعكست عليها سمات المجتمع الجديد، بهذه الرؤية وفقاً للباحث ابراهيم عجوة يمكن فهم ما آلت أحوال العمل والعمال في المجتمع الأردني في العقود الاربعة الأخيرة، فالمجتمع الأردني على جانبي النهر -نهر الأردن- على السواء، خاصة في المناطق الوسطى والجنوبية منه انتقل في النصف الثاني من القرن العشرين من اقتصاد بضاعي - نظام المقايضة بالبضائع- إلى اقتصاد نقدي، ولكن هذا الانتقال لم يترافق مع تطور اجتماعي بمضمونه الاقتصادي، أي لم يتشكل إبان التحول إلى الاقتصاد النقدي تراكمات كمية في الإنتاج الزراعي، وصناعات غذائية تعتمد على الإنتاج الزراعي كمواد اولية، دفعت باتجاه التحول إلى الاقتصاد النقدي، بل ظروف سياسية بعينها أخذت تشكل مستقبل المنطقة، تزامنت مع بدء الضعف في الدولة العثمانية، ابتداءً من البعثات التبشيرية الغربية التي سبقت الجيوش لاحتلال المنطقة، وليس انتهاءً بالاستعمار الصهيوني الاحلالي في فلسطين، وإذا بالمجتمع الذي كان يعيش حياة شبه بدائية بثقافة عمل بدائية أيضاً، ففي الفترة التي سبقت تأسيس إمارة شرقي الأردن لم يكن العمال يتقاضون أموالاً مقابل اعمالهم بل بضائع، ينتقل في غضون اقل من نصف قرن إلى مجتمع يعيش في مدن وفي الأرياف والبوادي يعيش بنمط حياة تشبه إلى حد كبير حياة الناس في الغرب، وكأنه لحق بالمجتمعات المتقدمة في مناحي الحياة كافة، ولكن الحقيقة الكامنة التي ظل معظم الناس ينكرونها، حسب عجوة ان المجتمع لم ينتقل من واقع بدائي إلى واقع متقدم، بل تحول إلى واقع مشوّه يمكن ان يوصف بالمجتمع ''نصف بدوي'' (Simi Bidwen) فما كان سائداً من علاقات اجتماعية واقتصادية وثقافات سائدة لقرون طويلة لم يتغير إلا بالقدر الذي تحول فيه فلاح أو بدوي من راعٍ للابل أو من زراعة القمح والشعير، ظل يعتمد على ''القنوة'' لحل مشاكله مع الآخرين إلى اكاديمي يدرس في الجامعة يضع نفس القنوة تحت كرسي سيارته.
الفورة النفطية الأولى
يقول عجوة: إن ما زاد في طين ثقافة العمل بلة التحولات العميقة التي طرأت على المجتمع بعد الفورة النفطية الأولى عام 1974 اثر ارتفاع أسعار مشتقات البترول بعد استعماله -النفط- كسلاح في حرب رمضان بين الدول العربية واسرائيل عام 1973، فقد فرضت الفوائض النقدية الهائلة، التي تحققت للدول الخليجية والسعودية والجزائر وليبيا، على المجتمعات من هذه الدول وفي دول الجوار نمطاً جديداً من الحياة حوّل الناس فيها -في الدول النفطية وفي جوارها على السواء- من منتجين إلى مستهلكين، صحيح ان نمط الإنتاج كان متسقاً مع التشوهات الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية في المجتمع، لجهة انه ظل نمطاً منسجماً مع ثقافة ''العونة'' في العمل ''والمقايضة'' في التجارة، برغم ان المجتمع غادرهما قبل عقود، ولكن الناس كانوا ينتجون سلعاً زراعية تجد لها منافذ للتسويق في الأسواق المحلية وفي أسواق الدول المجاورة، وينتجون سلعاً مصنعة من مواد اولية موجودة محلياً، وكانوا يعملون بايديهم، فالقطاع الزراعي والصناعي في الأردن ظلت العمالة فيهما أردنية خالصة إلى ان حلت على المجتمع بركات النفط من عوائد نقدية.
يقول عجوة: إن عدم تجذر ثقافة عمل متسقة مع التطور الشكلي في وسائل الإنتاج الزراعي والصناعي سهّل على الأردنيين هجرهم لمهنهم لغيرهم من العمالة الوافدة من دون ان يشعروا انهم يغادرون أعمالا يحبونها ويغادرون نمطاً في العيش حميمياً لا يقدرون على الحياة بعيداً عنه، وإذا بهم بين ليلة وضحاها يتحولون إلى حياة مترفة بنمط استهلاكي ليس له مكان إلا في دول متقدمة قطعت اشواطاً طويلة المسافات في التطور الاجتماعي مثل المجتمعات الرأسمالية، التي تشكلت فيها طبقات قادرة على الاستهلاك بنهم، والأنكى من كل ذلك ان منظرين من أنصاف المفكرين حاولوا اقناعنا بأن هذه طبائع الأمور، فليس بالضرورة ان تمر المجتمعات كافة بنفس الظروف والاشتراطات لتحقيق التطور.
بعد مضي عقود ثلاثة على بدء الأردنيين الاعتماد على العمالة الوافدة في كل شيء باستثناء الوظائف الحكومية المدنية والعسكرية، والأعمال الادارية في القطاع الخاص، والعيش بنمط حياة تشبه إلى حد بعيد حياة الناس في المجتمعات الرأسمالية المتطورة وفي الدول النفطية الغنية، يكتشف الآباء من الأردنيين ان الأعمال التي تركوها للعمال الوافدين غير قادرين على استردادها لابنائهم بعد ما تبين ان عشرات الآلاف منهم غير قادرين على الحصول على فرصٍ للعمل، فهؤلاء الأبناء يعيشون نمط حياة اعتادوا عليه بسبب الفائض النقدي من النفط لا يمكن ان تحققه الأجور في هذه الأعمال، علماً بأن العمال الوافدين، خاصة المصريين منهم يتقاضون ذات الأجور المعروضة على الأردنيين أو اقل منها، ومن هذه الأجور ينفقون على أسرهم في مصر وعلى أنفسهم في الأردن ويوفرون منها.
الشباب يتكلمون
حكاية (1)
الشاب العشريني (أنس. ع) من عشيرة كبيرة ومعروفة في الأردن، أخفق في امتحان الثانوية العامة لعامين على التوالي، ما دفعه للتجرؤ ويواجه أشقاءه الكبار -والداه متوفيان- بالحقيقة، وهو انه لا يرغب في الدراسة، ولأن تقاليد العائلة كما قال شقيقه الأكبر لا تسمح بأن يعمل شقيقهم انس باية مهنة، فقد اقترح ان ينتسب إلى الأمن العام، ولكن الشقيق الثالث رفض ذلك بحجة انه -أي الشقيق الثالث- ضابط كبير في الأمن العام ولا يجوز ان يكون شقيقه الاصغر شرطياً، وما بين مدّ وجزر لم تتمكن أسرة انس من حل مشكلة العمل، فاضطر ان يحاول بنفسه إيجاد فرصة عمل.
يقول أنس: إن ما يدخل عليه شهرياً يتجاوز الألف دينار من حصته في ايجارات عقارات كان يملكها والداه، ولكن الأمر بالنسبة له لا يتعلق بالمال بل بالعمل، ما جعله يقبل ان يعمل مساعد كهربائي تمديدات في إحدى ورش ا لبناء، بايجار قدره 7 دنانير في اليوم، ولكن التجربة فشلت بعد ما تبين لشقيقته التي يسكن بالقرب من منزلها، حينما استدعته مساءً لكي ينضم إلى اسرتها على العشاء، ان باطن يدي شقيقها ''مبقبشات'' - أصابهما تقرحات-، وعندما سألته رفض الإجابة، ولكنه رضخ لإرادتها بعد إلحاحها عليه، فاعترف بأنه عمل منذ الصباح الباكر مساعداً لكهربائي، وانه أمضى معظم ساعات العمل في تحفير قنوات على الجدران لمد الاسلاك الكهربائية فيها، فصعقت الشقيقة، واتصلت باشقائها جميعاً وطلبت منهم الحضور بسرعة، وأخذت توبخهم وتقول لهم: إن والدها ظل يوصي على الصغير أنس إلى ان لفظ أنفاسه الأخيرة، ولا يجوز تركه في مهب الريح، وبالفعل استجاب الأشقاء وقاموا بافتتاح ''سوبر ماركت'' له، وبعد عامين زوجوه، ومع ان تجارة أنس قد نجحت أصبح الـ ''سوبر ماركت'' يدر عليه دخلاً جيداً إلا انه يعتقد انه لم يجد ذاته بعد.
الحكاية الثانية
احمد شاب في الخامسة والعشرين من عمره، توفي والده وهو في السنة الثانية بالجامعة، ولانه اكبر أشقائه، ووالده لم يكن يعمل في جهة توفر ضمانات اجتماعية، فقد كان والده مقاول بناء، يمتلك بحدود 30م مكعب من خشب الطوبار وخلاطة باطون بدائية وسيارة بكب، ولأن الوالد قد عانى الأمرَّين جراء تقلبه في شبابه بين الأعمال الصعبة، بعد ان ترك قريته وجاء إلى عمان للعمل، فانه -أي الوالد- رفض رفضاً قاطعاً تعليم ابنائه مهنته، فقد ظل يٌمنّى النفس ان يتخرج ابناؤه كافة من الجامعات، ولكن القدر غافله قبل ان يحقق أمنياته، ولأن الحياة في عمان كانت صعبة لجهة التكاليف العالية، فقد قررت أم احمد العودة بالاسرة للعيش في قريتهم في محافظة اربد، وذلك بعد ان تبرع اخوتها لها ولابنائها ببيت كان شقيقها الأكبر بناه ليسكن فيه ابن له قرر ان لا يعيش في القرية.
احمد وجد نفسه من دون مهنة ومن دون شهادة تعينه للحصول على عمل، فحاول ان يستعين بملكاته وباصدقاء له ولوالده ولكن من دون طائل، وفي مساء أحد الأيام فيما كان احمد ووالدته يتناقشان امام بيتهما في شؤون الأسرة، تقدم منهما رجل وعرف على نفسه بأنه أمين، وهو نجار طوبار كان يعمل عند والده، ولأنه اليوم غير قادر على الحصول على تصريح عمل، فانه فكر في امكانية استثمار كمية الخشب والخلاطة الموجودة في المستودع لدى صديق (أبو احمد) في عمان، والبحث عن فرص عمل في القرى النائية بعيداً عن اعين مراقبي وزارة العمل، وبالفعل اتفقت أم احمد مع العامل المصري أمين على ان يستأجر الخشب والخلاطة، بشرط ان يعمل أحمد معه، وهو ما كان، فأحمد اليوم أصبح مساعد نجار طوبار، وأمين المصري مع عمال وافدين آخرين يعملون في القرى البعيدة بعيداً عن أعين المراقبين، ولكن احمد ما زال يشعر ان ما يقوم به ليس ما يحتاجه، فبالرغم انه أصبح قادراً اليوم على العمل لوحده عبر استرجاع الخشب والخلاطة، والاستعانة بعمال وافدين كما يعمل المصري أمين، إلا انه يبقى بصره باتجاه الشمال، متمنياً اليوم الذي يعود فيه إلى عمان.
الحكاية الثالثة
الشاب العشريني علاء لم يتمكن من الحصول على فرصة عمل في مجال تخصصه -حاصل على دبلوم محاسبة-، أو بشكل أدق كما تحدث والده ان علاء رفض العمل براتب 200 دينار، فمصروفه الشخصي كان أيام الدراسة أكثر من 200 دينار، فكيف له ان يقبل بأقل مما كان ينفق وهو لم يزل بعد طالباً؟ ويتابع والده قائلاً:
- لقد اعتاد على المصروف العالي منذ ا ن كنت اعمل في دبي، فعلى الرغم من أن افراد الأسرة عادوا قبل خمسة أعوام إلى الأردن، وبقيت لوحدي أعيش واعمل في دبي، إلا انني لم اكن أبخل على ابنائي بتاتاً، ويبدو أن هذا هو ما أفسد علاء وقبله أمجد، وخلدون على الطريق.
علاء بعد ان تسكع حسب تعبير والده بين أعمال في شركات مختلفة لمدة عامين، كان خلالهما يحصل على مبالغ من والدته أكثر مما يقبضه من عمله، قرر فجأة ان يترك عمله ويهاجر إلى أمريكا، ولكنه لم يوفق في الحصول على ''فيزا''، ولأن الوالد بعد ان أنهى عمله في دبي ويعيش مع أسرته في عمان اخذ يلاحظ تصرفات أبنائه المشينة كما يقول، قرر في إحدى الليالي بعد ان عاد علاء سكراناً إلى البيت ان يطرده، على الرغم من توسلات والدته وبكاء شقيقته الصغرى، إلا ان الوالد أصر على موقفه، رغم ان الأمر كان صعباً عليه، خاصة بعد ان دبت الخلافات الحادة مع زوجته، إلا ان ما حدث بعد ذلك أعاد الأمور إلى نصابها، فقد التحق علاء بدورة تدريب لدى الشركة الوطنية للتدريب والتشغيل، التي تديرها القوات المسلحة، فبعد اسبوعين من اختفاء علاء اتصل بوالدته وابلغها بمكانه، وبالفعل تخرج علاء فني بناء حجر، وهو اليوم يعمل في شركة ويتقاضى راتباً جيداً.
شركة للتدريب ولكن!
بعد احتلال العراق عام 2003، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وتكدس مليارات الدولارات لدى الدول النفطية، وبدء وصول جزء من هذه الأموال إلى الأسواق المحلية، اسوة بمعظم الدول في الجوار، واستناداً إلى منهجية تخطيط سادت في الولايات المتحدة الأمريكية واوروبا ومن ثم في دول أخرى منذ تسعينات القرن الماضي، ركزت على القطاع العقاري عبر فتح باب الاقراض البنكي، فقد وجدت وزارة العمل وفقاً لمسؤول متقاعد كان مقرباً من وزير العمل الأسبق باسم السالم، ان التوسع في قطاع الإسكان بالضرورة سيرفع من الطلب على العمالة المدربة، وسيزيد من دخل العاملين في هذا القطاع، فوضعت الوزارة تصوراً لتأسيس شركة لتدريب العمال الأردنيين على المهن الخاصة بالبناء، فهي أي الوزارة من جهة تضع اللبنات الأساسية لإحلال العمالة الأردنية بدلاً من الوافدة في هذا القطاع، وهي من جهة أخرى تسهم في معالجة مشكلة البطالة من جهة ثانية، وتوفر للقطاع عمالاً مهرة مدربين وفق تقنيات أحدث وسائل التدريب.
كانت الفكرة الأساسية لتأسيس هذه الشركة تقضي بوضعها تحت وصاية القوات المسلحة، فحسب نفس المصدر يجب على الجيش ان يبقى بعيداً عن الاحتكاك بتفاصيل الحياة المدنية، إلا بالقدر الذي يجعله يعيش في جزيرة معزولة، وان يتم تسليم إدارة الشركة للقطاع الخاص عبر التعاون مع نقابة مقاولي الإنشاءات، أو اية صيغة أخرى، إلا ان الصيغة الحالية قد افقدت الفكرة مضمونها الرئيسي، فالقوات المسلحة يجب ان تبقي على هيبتها بأن لا تكون طرفاً، خاصة ان الشركة إضافة إلى دفعها للمتدربين مكافأة شهرية قيمتها 191 ديناراً، تضمن للمتدربين الحصول على عمل، وهو الأمر الذي يفرض على المقاولين اليوم تشغيل خريجي هذه الشركة، فحسب مدير عام شركة فضل عدم ذكر اسمه انه فوجئ حينما حاول الحصول على موافقة وزارة العمل على استقدام عشرين عاملاً مصرياً للعمل في مشاريع الشركة، ان الوزارة فرضت عليه تشغيل 5 من خريجي الشركة الوطنية للتدريب والتشغيل، مقابل منحه تصاريح عمل لـ 15 عاملاً مصرياً، فأُسقط في يده، فتجربته مع العمال الأردنيين ليست ورديه، فغالبيتهم لا يلتزمون بأوقات العمل، ويفضل معظمهم عدم العمل في مشاريع بعيدة تتطلب منهم المبيت في المشاريع ذاتها، إضافة إلى ان العامل الأردني الذي كان يتقاضى مكافأة شهرية مقدارها 191 ديناراً، حينما كان يتدرب إضافة إلى ثلاث وجبات من افضل الطعام، وملابس يستعملها وامتيازات أخرى، يتوقع ان لا يقل دخله بعد التدريب عن ضعف ما كان يأخذه وهو متدرب، فامتيازات الشركة الوطنية للتدريب تفسد المتدربين وفقاً لنفس مدير الشركة، علماً بأنها تقدم لهم برنامجاً تدريبياً ممتازاً، ويتخرجون وهم يعرفون معاني الضبط والربط إلى حد كبير، ولكنهم غير قادرين على منافسة العمالة الوافدة من حيث الأجور والانتاجية، ولعل ما أصاب صندوق دعم التدريب من ضرر جراء شطب نسبة ال 1٪ التي كانت مخصصة لهذه الغاية من مجمل أرباح الشركات بعد تعديل لقانون ضريبة الدخل، واعتماد الضريبة الموحدة من شأنه إعادة النظر في منهجية عمل الشركة الوطنية.
قطاع طارد!!
مدير عام مؤسسة التدريب المهني ماجد الحباشنة يعتقد ان قطاع الانشاءات قطاعٌ طاردٌ للعمالة، فبالرغم من أن القطاع استقطب خلال السنوات القليلة الماضية عشرات ملايين الدنانير، والقطاع من القطاعات الإستراتيجية في سوق العمل الأردني، إلا ان غياب الأمان والأمن والوظيفي في القطاع يفسد بيئة العمل، ويدفع الأردنيين إلى عدم الاقبال عليه حتى في ظل أقسى الظروف، فمع ان العاملين في القطاع يتقاضون أجورا أعلى من أسوتهم في القطاعات الأخرى، خاصة في القطاع الصناعي، إلا ان الأردني يفضل في احيان كثيرة عملاً دائماً براتب مئتي دينار مع ضمان اجتماعي على اجرة يومية 20 ديناراً أو أكثر بعمل متقطع كما هو الحال في قطاع الانشاءات، الأمر الذي يضع أمر تحسين بيئة العمل في القطاع حسب الحباشنة عبر تطوير التشريعات العمالية الخاصة بساعات العمل، وبالتأمينات الاجتماعية المحفزة للعمل، وبتحسين شروط العمل الأخرى من الاولويات، لكي تستقيم الأمور، ويتمكن القطاع من استبدال العمالة الوافدة بعمالة محلية.
يقول الحباشنة انه لا يلوم المقاولين لأنهم يترددون في استخدام العمال الأردنيين، وهو لا يلوم الشباب الأردنيين لأنهم يحجمون عن قبول العمل في القطاع الإنشائي، فمن دون استراتيجية وطنية تتشارك فيها جميع الجهات ذات العلاقة، بما فيها نقابة المقاولين، والنقابات العمالية ونقابة المهندسين، تعالج الاختلالات الجوهرية في بيئة العمل بالقطاع لا يمكن ان تستقيم الأمور، ويقبل الأردنيون على المهن الكثيرة في القطاع، فهذه المهن تاريخياً هي مهن للاردنيين، فقبل ثلاثين عاماً على سبيل المثال، لم يكن أحد يصدق ان عاملاً مصرياً يعمل في بناء الحجر أو في دقّة أو في تكحيله، وفي مهن فنية أخرى، بينما اليوم يفاجأ المقاولون حينما يجدون أردنياً يعمل في هذه المهن.
إحصائيات
بينت احصائية قامت بها نقابة المقاولين وفقاً لنقيبها م. احمد الطراونة عن واقع العمالة في 245 شركة مقاولات منضوية تحت لواء النقابة ان 36٪ من العمالة فيها من العمال الوافدين مقابل 64٪ عمالاً أردنيين، ولكن هذه النسبة مضللة، فنسبة كبيرة من مجموع العاملين الأردنيين في هذه الشركات وعددهم 13507 حتى نهاية العام الماضي من المهندسين والاداريين وغيرهم، وهؤلاء لا يعتبرون عمالاً مهره في القطاع، ما يجعل احصاءات دائرة الاحصاءات العامة أكثر دقة، فحسب البيانات الاحصائية الواردة في نشرة الدائرة ''احصاءات العمل في الأردن 2005-2009-، علماً بأن الاحصاءات الخاصة بالعمالة الوافدة معتمدة على بيانات وزارة العمل، فإن (35870) عاملاً وافداً و 5 عاملات وافدات يعملون في القطاع، في حين اخر فإن البيانات المعتمدة على مسح لسوق العمل للعمال الأردنيين وللوافدين على السواء العاملين في القطاع، تشير إلى ان (79544) عاملاً و 2651 عاملة يعملون في القطاع، أي ما مجموعه 82195، وبذلك تكون نسبة العمالة الوافدة في القطاع 41٪ تقريباً وليس 36٪ كما ورد في احصائية نقابة المقاولين.
Assinar:
Postar comentários (Atom)
Nenhum comentário:
Postar um comentário